في الصورة أحمد الدغرني الأمين العام للحزب الديمقراطي الأمازيغي المحظور
في هذا الوقت بالذات الذي يتصاعد فيه الشحن العرقي و الطائفي في كافة أرجاء الوطن العربي والعالم الإسلامي، مهدداً نسيج الأمة، وموقظاً الفتنة، فإن ثمة مفصلاً سياسياً بات يتطلب أخذ موقف واضح.
وثمة أطراف تنفذ مؤامرة تفكيك، هي امتدادٌ لمشروع "الشرق أوسطية" الصهيوني.
والطرفان الرئيسيان في هذه المؤامرة هما إسرائيل المحتلة لفلسطين والصهيونية العالمية التابعة لها وأدواتها وعملائها "المعتدلين العرب". فجبهة "المعتدلين العرب"، وعلى رأسها النظام السعودي، التي تحاول أن تجير"السنة" لمصلحة الطرف الصهيوني، على طريقة مجالس الصحوة في العراق مثلاً، وطريقة "تيار المستقبل" في لبنان، و"الحزب الإسلامي العراقي".
وتلعب دولة العدو الصهيوني وأداتها الولايات المتحدة بالقضايا العرقية والدينية في كل البلدان الإسلامية. والنتيجة واحدة بجميع الأحوال : الفتنة، ومشاريع الحروب الأهلية والمجازر الطائفية والتهجير والقتل على الهوية.
ونماذج لما جرى في العراق ولبنان والسودان وأفغانستان والصومال... يحاول الصهاينة تسويقها في بلدان المغرب العربي؛
إن الجدال المفتعل والمتصاعد بشكل متزايد مؤخراً حول" التسنن" و"التشيع" و"التنصير" وإلى ما هنالك يؤكد على ضرورة تحديد موقف مبدئي حاسم من عملاء إسرائيل المحرضين على الفتنة العرقية و الطائفية ويعملون بالتالي على إضعاف وتفكيك بلداننا وأمتنا وهويتنا لمصلحة قوى الهيمنة الخارجية على اختلافها وعلى رأسها الاحتلال الصهيوني. ولهذا نؤكد على ما يلي:
أولاً: كلنا مسلمون أولا وقبل كلّ شيء. والولاء للإسلام ولأوطاننا ولهويتنا الإسلامية والعربية الجامعة يأتي قبل كلّ ولاء فرعي، مذهبياً كان أو إقليمياً أوعشائرياً أو عرقيا أو غير ذلك. ولأن همومنا ومصالحنا المشتركة أكبر من الخلافات العرقية و الفقهية أو الدينية أو القبلية أوالإقليمية بمئات الأضعاف، فإن تلك الخلافات يجب أن تأخذ مكانها الطبيعي في أسفل سلم الأولويات، وأن يقتصر تناولها على الحكماء الحريصين على مصلحة الأمة، ولا يجوز أن تصبح مادة للتوظيف السياسي أو للتحريض الإعلامي الرخيص في بعض الفضائيات المأجورة أو في بعض االصحف الصفراء التي تمولها مخابرات الموساد لتباع في الشارع !
ثانياً: إذ نؤكد على حق المواطنة ورفض التمييز، وعلى حرية الفكر والمعتقد على قاعدة الولاء للوطن و للأمة ورفض العلاقات الخيانية مع العدو الصهيوني، وإذ نؤكد على التمسك بالثوابت الوطنية والقومية، وبالهوية الحضارية الإسلامية والعربية لأمتنا، فإننا ندعو لرص الصفوف بين أبناء الوطن الواحد ورفض الظواهرالعنصرية والعرقية و الطائفية المستحدثة، وكل أشكال التفكيك المتمثلة بالتعاون والتحالف مع العدو الصهيوني، وفبركة ولاءات عرقية أو عشائرية، كما هو مثلا في "مجالس الصحوة" المرتزقة في العراق التي تحارب المقاومة لحساب المحتلين و التي يجري تسويقها وتسعيرها بهدف التفكيك.
ثالثاً: إن العلاقات الوقحة والغريبة التي تربطها بعض العناصر المشبوهة والمريضة فكريا - كأحمد الدغرني في المغرب مثلا - مع العدو الصهيوني المحتل لفلسطين يجب أن تعامل كخيانة، وأن تعاقب كخيانة عظمى، لأنها تشارك في مؤامرة كبرى واضحة هدفها تمزيق وحدة شعوبنا وتحقيق خطة العدو،"فرق تسد"، لإعاقة البناء السوي لجبهة موحدة للمقاومة قادرة على مواجهة الأعداء الصهاينة وعملائهم الطغاة في الداخل.
رابعاً: كلنا ننتمي لأمة واحدة، وعلى هذا يجب أن يُهمش الولاء العرقي والطائفي والطائفية المنافية للحس الوحدوي.
خامساً: إن تكفير المواطنين المؤدي للأذى المعنوي، أو للفتنة والقتل والتهجير، فقط بسبب هويتهم الطائفية أو قناعاتهم الفكرية أو الشخصية، يجب أن يصبح جريمة يعاقب عليها القانون في الدول الإسلامية (مع الحفاظ على التمييز الواضح ما بين هذا، وما بين واجب مقاومة الاحتلال وعملائه، وحق الثورة ضد الظلم).
سادساً: نؤكد هنا بالضرورة أن السنة والشيعة والمسيحيين وكل المواطنين الآخرين في كل البلدان الإسلامية سواسية، كباقي كل المسلمين، وهم جزء لا يتجزأ من هذه الأمة يحاسبون كأفراد، كمواطنين، لا كأبناء طائفة. وكل أبناء الطوائف في بلداننا الإسلامية كانوا تاريخياً، ولا زالوا، جزءاً من جبهة مواجهة قوى الهيمنة الخارجية، القادمة من الشرق أو من الغرب... وعليهم واجبات، ولهم مثل حقوق باقي أبناء الأمة.
سابعاً: من غير المنطقي أن يكون تفسير الدين حكراً على فقهاء السلاطين المرتزقة وقلة من المفسرين، تجار صكوك الغفران، قلة تبيع ولاءاتها خارج الحدود لتصدر فتاوى تحرض مثلا الأقباط على الإسلام في مصر عبر قنوات فضائية ممولة أمريكياً، أو فتاوى تدعو العرب للالتحاق بجيش الاحتلال الأمريكي للعراق، أو فتاوى تدعو العراقيين لعدم قتال الجيش الأمريكي وهو يصول في البلاد، أو فتاوى بتكفير أو بجواز قتل السنة أو الشيعة في العراق، أو القاعدة في الرافدين، أو بتهجير المسيحيين من شمال العراق، وهو ما يخدم الإحتلالين في العراق، ويضعف المقاومة، ويثير الفتنة، ويعمم القتل.
عاشراً: هذه دعوة لنبذ الخلافات الطائفية والعرقية وكل من يتحدث عن روافض ونواصب وكوافر، وكل من يكفرغيره باسم الدين، أو يتعالى عليه مذهبياً، هو موضوعياً جزء من المخطط المعادي، بغض النظر عن "حسن النوايا"، لأن هذه الصراعات العرقية والمذهبية والعشائرية والإقليمية عبثية وموظفة بعناية لضرب وشطب قدرتنا على التحرك الجماعي للثورة والبناء، ولإشغالنا وإلهائنا عن قضايانا الأساسية. والتعصب العرقي و الطائفي لن يقود إلا إلى المزيد من الضعف والوهن والتمزق.
فلنبقِ الخلافات الثانوية بحجمها الطبيعي، ولنتناولها في مكانها وزمانها بالطريقة اللائقة.
لنحافظ على كرامة جميع أبناء الأمة، وعلى وحدة أهدافها ومصيرها أمام العدو المشترك. ولنبقَ أمةً واحدةً و شعوب إسلامية موحدة تلتزم جميع مكوناتها بالدفاع عنها في وجه الغزاة الصهاينة وعملائهم الطغاة في الداخل وفي وجه كل من تسول له نفسه التعاون مع القوى الخارجية العدوة.
*معارض مغربي مقيم في السويد
السياسة المغربية تطبخ في أماكن مغلقة
حاورها طارق قطاب -le soir
تعتبر نادية ياسين، ابنة القائد الروحي للعدل والإحسان، شخصية فريدة، ذكية ولكن في الوقت نفسه مناورة واستفزازية إلى أبعد الحدود. عايشت تكوين الجماعة وعاشت مواجهاتها مع السلطات الرسمية. قربها من الشيخ أهلها لتكون ناطقة باسم الجماعة. هذه اعترافات السيدة الأولى في العدل والإحسان.
- طبعت خرجاتك الإعلامية الأخيرة عودتك إلى الساحة بعد غياب دام عدة أشهر أين اختفيت؟ .
< صحيح أنني اختفيت لبعض الوقت من المشهد الإعلامي المغربي لأسباب صحية، ولكنني دائما يقظة وأتابع ما يحدث هنا وهناك في أماكن أخرى من العالم. وقد كانت لي في تلك القترة أنشطة لم تحظ باهتمام كبير من وسائل الإعلام. على سبيل المثال، فقد كنت في برشلونة منذ مدة ليست ببعيدة، وذلك للمشاركة في لقاء عقدته رابطة «ميدلنك» التي يوجد مقرها في روما. يمكن القول إنني أعود ببطء ولكن بثبات.
- أنت، أولا وقبل كل شيء، ابنة الزعيم الروحي لجماعة العدل والإحسان. كيف يمكنك وصف العلاقة التي تربطك بوالدك؟
< لا أحد يسأل نفسه عن هويته الشخصية. إني أعيش هويتي بطريقة طبيعية. إنه والدي، إنه حقيقتي، إنه انتماء روحي أيضا. وعيت، في وقت مبكر، بانتمائي لأسرة ليست كباقي الأسر، وذلك منذ الخامسة عشرة من عمري. كان أبي حينها قد أدخل مستشفى الأمراض العقلية لأسباب سياسية، قبل أن تنقلب الأمور رأسا على عقب، كنت مراهقة غير مبالية، شأني في ذلك شأن جميع الفتيات في سني. لكن منذ ذلك الحين، أصبحت كل حياة والدي نضالا طويلا من أجل الكرامة ومن أجل عدم استخدام العنف.
وقد تمت محاكمته بسبب إصداره لجريدة «الصبح» ودفع ثمن ذلك سنتين من عمره، قضاها في زنزانة غير صحية، متعفنة، تنتشر فيها الفئران والفساد. ثم بعد ذلك، وضع رهن الإقامة الإجبارية لمدة 10 سنوات. لكن مضايقات المخزن لم تتوقف، بل استمرت بشكل مباشر، عن طريق وقوف رجال الشرطة 24 ساعة على 24 أمام باب المنزل، وكذا بشكل غير مباشر، عن طريق بعض المنابر الإعلامية، والتي تنطبق عليها الحكمة الشعبية القائلة: «كاري حنكو».
- هل يمكن اعتبار دخول والدك السجن هو الذي غير مسار حياتك رأسا على عقب وشكل منعطفا في مسارك؟
< كان لي ارتباط خاص بوالدي. إن الأمر يتعدى الهوية الجينية التي تربط ابنة بأبيها، فقد كنت أعتبره معلمي الروحي الذي أكتشف بجانبه مقاربة مريحة وحيوية للإسلام. وشعرت بسرعة أنني متورطة في النضال الذي كان يقوده.
في البداية، ونظرا لسني الصغير حينها، كان هذا الالتزام ذا طبيعة عاطفية، حيث كنت أحس بأن قضية هذا الأب المقرون بالمعلم الروحي، هي قضيتي أنا. كنت لأفعل أي شيء لأجله، فهو علمني في سن مبكر أن أكون شجاعة.
أتذكر أنني كنت أخفي الأوراق وأقلام الحبر في «سلة المؤن» التي كنت أذهب بها إليه في السجن. فقد كان حينها ممنوعا من الكتابة أو حتى قراءة الكتب. كان هذا بمثابة إسهامي في نضاله. وبعد ذلك، اهتممت بشكل جدي بأفكاره، وانضممت إلى مشروعه. كنت مستعدة لأن أدافع عن هذه القضية حتى أبعد الحدود. كان علي أن أصبح راشدة وناضجة عن طريق طمس الجانب العاطفي لصالح مقاربة أكثر عمقا. وقد تحولت العاطفة إلى شعور عميق بالمسؤولية تجاه هذا الالتزام الذي أعتبره مقدسا.
- نظرا إلى التقارب الذي يطبع علاقتك بوالدك، ونظرا إلى الدور الذي تلعبينه في الجماعة، هل يمكن القول إننا أمام نظام عائلي لتوريث السلطة في العدل والإحسان؟ < جماعة العدل والإحسان لم تكن يوما ممثلة في والدي. هذه الاتهامات هي واحدة من الطرق التقليدية العديدة التي استعملت كنوع من الدعاية المغرضة ضد جماعتنا. ليس سرا أن هذه الادعاءات، التي تناقلتها وسائل إعلام معينة، هدفها الوحيد هو التفكيك الافتراضي للجزء الظاهر من جبل الجليد العائم. إنها ليست التهمة المزيفة الوحيدة التي يلصقونها بالجماعة. إن هذه الدعاية قامت على هذه الادعاءات غير القائمة على أساس. من يقرر، حقيقة، داخل العدل والإحسان منذ أن انسحب والدي بسبب مرضه؟
إن العدل والإحسان هي مدرسة للاجتهاد، إنها كذلك مجموعة من المؤسسات، عكس ما يظنه الكثيرون، والتي لديها ممارسات أكثر ديمقراطية مما يطلق عليه الأحزاب السياسية. صحيح أن والدي هو الأب الروحي للجماعة، لكنه لم يتخذ قط قرارا لوحده. إن مجلس الشورى ومجلس الإرشاد والسكرتارية العامة للدائرة السياسية هي هياكل اتخاذ القرارات.
- لكنك تبقين شخصية مهمة في الجماعة، لا يمكنك نفي ذلك...
< إنني أمثل الصورة غير النمطية للإسلامية النشطة. إنني امرأة أتكلم بلغة أخرى غير العربية، وهذا الأمر ترى فيه بعض الصحف شيئا مثاليا. بمعنى آخر، إنني أشكل الشخص المناسب والمثالي لتصدر عناوين الصحف الرئيسية. كما أن عدم توفرنا على منبر رسمي لعب لصالحنا ولعب لصالح بعض قياديي الحركة الذين أصبحوا وجوها إعلامية، على حساب آخرين لم يكن لهم نفس الحضور الإعلامي. لكن، بصراحة، فأنا لست الممثل الأوحد والحصري للعدل والإحسان، فالحركة هي أكثر غنى من شخصي المتواضع وأكثر مدعاة للاهتمام مما أمثله، أنا لست سوى واجهة قد تبدو للبعض مثيرة للاهتمام.
- وغريبة بعض الشيء؟
< نعم، غريبة وغير نمطية، إذا أردت.
- في 2006، برزت العدل والإحسان عن طريق خرجاتها الإعلامية حول رؤى الشيخ ياسين التي لم تتحقق. بعد ذلك لزمتم الصمت. هل ندمتم على تصريحاتكم؟
< ما حصل كان حول رؤيا 2006 زوبعة كبيرة في فنجان صغير، كما أن من خاب أملهم حقا لم يكونوا أعضاء الجماعة. إن الحركة كانت ضحية استخدام مقارباتها كأداة ضدها. ما حدث في الواقع هو أن السحر انقلب على الساحر. إن السلطة عندما أرادت الحط من قيمة التنظيم والسخرية منه، نسيت أن المعتقدات الشعبية لم تتخلص بالكامل من القيم الخفية. وبعد ذلك، فقد خف هجوم وسائل الإعلام. صحيح أن وسائل الإعلام تعطي الانطباع بأن الشيء ليس له وجود إلا إذا كان محط الحديث. هذا الهدوء النسبي أعطى الانطباع بأن الحركة تتحرك ببطء وتفقد سرعتها. ليس لدينا أي منبر رسمي، سوى موقعنا على شبكة الأنترنيت، لكن من الذي لديه القدرة على الوصول إليه والإبحار فيه غير النخبة.
وبنفس الطريقة، يمكن أن نقول إن صوتكم يسمع أساسا بفضل وسائل الإعلام...
- العدل والإحسان موجودة أيضا عندما لا نتحدث عنها. لديها استراتيجية أطلقتها منذ ما يقرب من الثلاثين سنة، هذه الاستراتيجية تتمثل في التعليم ثم التعليم ومرة أخرى التعليم.
- كيف تترجم هذه الاستراتيجية التعليمية على أرض الواقع؟
< صحيح أنه ليست لدينا الأموال اللازمة لقيادة سياسة حقيقية خاصة بالتعليم، ولكن لدينا تصميمنا الراسخ والإيمان بالله وبوعده بمساعدة أولئك الذين هم في خدمة العدالة. ليست لدينا 26 في المائة من ميزانية الدولة، وهي تمثل النسبة التي يجب أن تخصص لتمويل التعليم. وبالمناسبة، أين تذهب كل هذه الأموال؟
إن سياسة التطوع في الجماعة دفعتنا، رغم كل الصعوبات، إلى خلق جمعيات نشيطة وفعالة للغاية، لكن بعضها يتعرض للحل، فيما تتعرض الجمعيات الأخرى لمضايقات بتهمة الانتماء إلى جماعة العدل والإحسان.
إن أبوابنا دائما مفتوحة، عندما لا يغلقها المخزن.
- لنتحدث عن المخزن على وجه التحديد. الانطباع السائد هو أن الموقف الذي اعتمدته الحركة على طرفي النقيض مع كل ما يحدث في البلاد. متى ستشتغلون بوجه مكشوف؟
< من المهم أن نعلم أننا لم ننطلق من العاطفة بل من التفكير العميق. كان والدي، في يوم من الأيام، تقريبا في الحكومة. كان على بعد خطوات فقط من أن يصبح وزيرا للتعليم، لو أنه كان يطمح إلى تقلد مناصب حكومية. إنه مثقف حقيقي من العيار الثقيل، وليس درويشا متنورا كما يحلو للدعاية أن تصفه بذلك. إن مقاطعة السلطة التي ننتقدها، طالما لم تتغير طبيعتها، هو مبدأ أساسي بالنسبة إلينا.
ما يهمنا ليس العمل السياسي، فنحن مدرسة فكرية، لدينا طموحاتنا التي تعتبر أسمى بكثير من مجرد الحصول على بعض الفتات من السلطة. يتعلق الأمر أيضا بمسألة الالتزام في مفهومنا للجهاد، والذي هو قبل كل شيء مقاومة للظلم. جهادنا، إذن، يكمن في مقاومة السلطة، التي تبتلع كل من يدخل إليها بدون ضمانات حقيقية، عن طريق اللاعنف.
- هل هذا يفـــسر تطلعاتكم الرئاسية، التي أعلنـــتم عـــنها وكانت سببا في الدعوى القضائية التي رفــــــعت ضدكم؟
< صحيح أنني كنت قد أعلنت انضمامي إلى مبادئ الجمهورية، لكن ذلك كان في إطار المقاومة التي تتسم باللاعنف، وليس دعوة إلى التنفيذ الفوري لهذه المبادئ. كنت أريد فقط أن أدفع سقف حرية التعبير في المغرب إلى أعلى.
كان ذلك عملا رمزيا لكسر المحرمات أكثر منه دعوة إلى التطبيق الآني لتلك الأفكار. كان الأمر يتعلق بإنشاء ثقافة الحوار. ومن أجل ذلك، فإنني في اليوم الذي كنت فيه داخل قاعة المحكمة وتوصل القاضي بورقة، لا أدري من أين أتت، وقام من مكانه حتى دون أن يرفع الجلسة، قلت له: «ارجع، إنني متمسكة بهذه المحاكمة». مهما كانت العقوبة التي كنت سأحصل عليها، كان الشعب المغربي سيربح معركة. إنها معركة رفع المحرمات القديمة والأغلال الإيديولوجية القاتلة.
- النموذج المبني على أساسه العدل والإحسان هو نفسه نموذج الزوايا التي ترعرع في بيئتها والدك. فهل يمكن اعتبار حركتكم زاوية ضمن زوايا أخرى؟
< إن مقاربتنا ومشروعنا هما نقيضان للأنماط التقليدية، ونحن نفهم لماذا يثيران العداء في بعض الأوساط ويكونان عرضة للخلط. يعتبر الخلط الأكثر شيوعا مع حركتنا هو الذي يحصل مع نموذج الزاوية. إنه النموذج الأقرب إلى الذاكرة المغربية، ولكنه لا يمت بصلة بتاتا إلى حقيقة العدل والإحسان.
- ما هي حقيقة العدل والإحسان، علما بأنكم ترفضون الانخراط في النقاش السياسي وتوضيح نواياكم؟
< قواعد اللعبة يتم فرضها من خلال منظومة القوانين والطقوس المخزنية. بالنسبة إلي، لا توجد لا أحزاب سياسية ولا قصر، إنهما وجهان لعملة واحدة. كما لا يوجد جهاز تنفيذي وآخر تشريعي. الأحزاب ترى فينا، بطريقة أو بأخرى، خصوما ومنافسين لها لكوننا، في نظرها، نتطفل على الدور المنوط بها رسميا.
الانتخابات الأخيرة أظهرت مدى فداحة كارثتهم. ونحن لسنا مستعدين لتبني خريطة طريقهم التي لا تؤدي سوى إلى نفق مسدود.
- وهل هذا الاستنتاج صحيح أيضا بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية الذي يتقاطع معكم في المرجعية نفسها، لكنه اختار أن يعمل في إطار القانون؟
< ربما لم يدرك حزب العدالة والتنمية بعد أنه اقترف خطأ. الوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي، ربما ابتعد الآن بما يكفي، ليدرك أنه وقع في شباك سلطة فاسدة حولته من فارس اليسار المحارب إلى ممسحة لخدمتها. ربما وصل حزب العدالة والتنمية في وقت أبكر مما نتصور إلى استخلاص النتائج الجيدة، هذا إذا لم يكن قد وصل إليها فعلا بعد الصفعة الانتخابية الأخيرة. لكن، من الصعب على الأشخاص الاعتراف بأنهم أخطؤوا. في جميع الحالات، فإن صدقهم ليس محلا للشك على عكس رؤيتهم.
- ألم تصنع هذه المواقف من أجل تغيير النظرة السلبية، المناهضة للديمقراطية، إلى الإسلام السياسي الذي تنادون به؟
< إطلاق الإسلاميين أصبح موضة السياسة الإمبريالية العالمية. ومن الأشياء التي يوصى بها جعل الإسلام العدو الذي يجب القضاء عليه، وتكريس أحكام مسبقة تجعله عدو المرأة، وعدو الأقليات، وعدو الحداثة، وعدو كل شيء حداثي، عن طريق الأسئلة الكبرى حول الديمقراطية والحريات العامة.
هل تساءلنا يوما عن سبب هذا الحقد على الإسلام السياسي والذي يطلق عليه أيضا «الإسلاموية». إن العولمة تملك نفوذا كبيرا جدا وهي على الأبواب. أنا لا أتحدث هنا عن العولمة التواصلية بين الشعوب، وإنما أتحدث عن الوجه الآخر من العولمة الذي ينتظرنا. كنا مستعمرين، أما الآن فقد تمت إعادة استعمارنا.
- هل يعن ي هذا أن الحل هو إقامة دولة إسلامية من طرف العدل والإحسان؟
< ليس الآن. العدل والإحسان لا يريد أن تورث مغربا يغرق. وحده الجهد المشترك بين كل القوى الحية في هذه الأمة يمكنه أن يخرج المغرب من الأزمة.
- إنك تناقضين نفسك يا سيدة ياسين. فمن جهة، تتهمين اللاعبين السياسيين بكونهم «عملاء»، ومن جهة أخرى تؤكدين أن مساهمتهم مهمة من أجل التغيير؟
< لنقل إننا في الوقت الحالي، لن يتم خداعنا. إذا وجدنا فرصة، فرصة حقيقية، لتغيير واقع المغاربة من الداخل، فلن نرفض إطلاقا المشاركة.
- هذا ليس موقفا شجاعا...
< لكن الأمر بسيط للغاية. إن الدستور مصنوع على قياس شخص يجمع كل السلطات وكل الثروات في يده. إذن، فالأمر يتعلق بفتح أقفال النظام، الذي يعتبر من أكثر الأنظمة استبدادية، مع العلم بأن الجمع بين الديمقراطية والاستبداد ضلال.
آخر مظهر من مظاهر استبداد هذا الدستور هو القضية الشهيرة لفؤاد مرتضى. هذا النظام هو نظام تعسفي يحتقر حقوق الإنسان. فأي ممارسة عادية على الأنترنيت تصبح جريمة يعاقب عليها.
- بعيدا عن علاقتكم مع النظام، تسيطر على الأخبار والمستجدات
المغربية عدة ملفات، بدءا بملف الصحراء. ما هي وجهة نظركم في هذا الملف، على سبيل المثال؟
< أبي كان واضحا في المذكرة الشهيرة «مذكرة من له الحق»، التي وجهها إلى محمد السادس بمناسبة اعتلائه سدة الحكم. الكل يعلم أن الطريقة التي يدار بها ملف الصحراء كارثية. لكن ليس نحن من علينا أن نقول ما يجب أو ما لا يجب أن يكون في ملف الصحراء. على المغاربة الاختيار. لقد فرضنا على المغاربة هذه الحرب، وفرضنا عليهم اختيارات سياسية واقتصادية تخصهم بالدرجة الأولى. السياسة المغربية تطبخ في أماكن مغلقة في وجه أي نقاش حقيقي. إن أقل ما يمكن فعله هو الإخبار بحقيقة ملف الصحراء. الشعب المغربي له الحق في المشاركة في اتخاذ القرار الذي دفع من أجله الكثير. بعض الضباط الشجعان نددوا بسوء الإدارة والفوضى اللذين يكمنان وراء هذا الصراع. ربما يكون الفساد هو السبب وراء استمرار هذا الصراع لهذه المدة الطويلة.
- يسيطر على المستجدات السياسية خلق «حركة لكل الديمقراطيين» من طرف فؤاد علي الهمة، ويظهر أن عددا من مناضليكم قد ساندوا الهمة خلال حملته الانتخابية؟
< إنها آخر ابتكارات السيرك المخزني، والتعبير عن إستراتيجية كانت دائما استراتيجيته. صحيح أن هناك الهمة وشخصيات بارزة، إذن فمن الطبيعي أن يكتب الكثير حول ذلك، لكنني أظن أن التاريخ يعيد نفسه. ليس ذلك شيئا جديدا إطلاقا على المخزن. فلنتذكر فقط ميلاد التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري وغيرهما.
- لكن بالنسبة إلى الهمة، قلتم إن هناك «شخصيات بارزة»، ألا يدل ذلك على شيء من الإعجاب؟
< لا، فوجود هذه الشخصيات هو شيء سيئ. أظن أنها تعبير عن الفشل الذريع للسياسة في المغرب. لم يعد هناك وجود لليسار، ولا للمعارضة، هناك فقط نوع من السلطة المخزنية. إنه توافق لمواجهة ما هو أسوأ، أي الإسلاميين. من ينتمي إلى اليمين؟ من ينتمي إلى اليسار؟ القصر يقول إنه أكثر ديمقراطية من الديمقراطيين، والديمقراطيون أكثر ملكية من الملك نفسه.
- أحكامكم صارمة جدا تجاه البلد ومؤسساته والجهات الفاعلة فيه، هل سبق لكم وتساءلتم عما قدمتم أنتم للمغرب؟
< بشكل أو بآخر، فقد ساهمنا في تقدم المغرب. كان لنا، على سبيل المثال، الفضل في حرية التعبير التي وصلنا إليها. ومنذ أن كسر أبي حاجز كتابة رسالة مفتوحة إلى الملك، فقد استتب، شيئا فشيئا، نضج على هذا المستوى. هذا الأمر لا يعد هدية قدمها لنا المخزن عن اقتناع. إن طبيعة مراجعنا حثته على القيام بتنازلات. لم يكن هذا هو الحال مع اليسار، الذي سبقنا على مستوى المطالب السياسية، لكنها كانت بدون معنى بالنسبة إلى شعب يعرف نفسه أولا وقبل كل شيء كمسلم، وقد وجد اليسار نفسه بدون أي وزن شعبي، معرضا لغضب الحسن الثاني.
- إذن فأنتم تعترفون بأنه قد تم إحراز تقدم. إنها سابقة!
< لكن المخزن يظل غير قابل للتنبؤ. فقد تكبدنا، بعد أيام «الأبواب المفتوحة»، خسارة تقدر بمئات الملايين من الدراهم بعد مصادرة أجهزتنا الالكترونية، كما رفعت أكثر من 900 دعوة قضائية ضد مناضلي العدل والإحسان.
ترجمة سهام إحولين